د. محمد الديري يكتب ... لكل منا رواية يرويها و حكاية يحكيها و قصة يقصها على مسامع الحضور و القراء و المستمعين .



بقلم : د. محمد حسن العساف ( الديري).

لكل منا رواية يرويها، و حكاية يحكيها و قصة يقصها على مسامع الحضور و القراء و المستمعين. لكن الامر يختلف عند الحديث عن كل واحد في هذه الصورة المرفقة، و سأذكر اسمائهم جميعا في بوست منفصل.

فكل واحد منهم كتاب بفصول أربعة، مكتوب بأحرف من دم و ذهب و عنبر...، و لكنهم يصبحون "كلهم" حرف واحد، في سطر واحد ، في كتاب من فصل واحد عند رواية قصة عشق الوطن .

عند العاشرة مساءا طلبت من سائقي تجهيز السيارة و كنت على وشك مغادرة مكتبي ذو الاطلالة الخلابة في أحد أرقى و أضخم أبراج مدينة المال دبي، حين سمعت "رنين" وصول بريد الكتروني إلى هاتفي، فعدت أدراجي و جلست على كرسي الوثير في مكتبي، المصنوع من خشب البلوط، لاتفقد من يراسلني في هذا الوقت. فقد كلمني بندر و قال لي " تصبح عل خير" ، و أخبرت زوجتي بأنني باتجاه المنزل و سأكون هناك خلال دقائق. و لم اكن اتوقع اتصالا او تواصلا في تلك الساعة من أحد.

فتحت البريد الالكتروني المرسل ... لأجد صورة مرسلة لي من صديق لا بل من أخ... تربطني به جذور الأرض، و لسعات برد الجنوب، و لفحات شمس الصيف، و رائحة بارود البنادق و قطرات العرق التي تصببت من جباهنا قبل اجسامنا...ياااااه الصورة مرسلة من أخي محمد باشا جويعد ارتيمه العبادي.... لي و له مع رفاقنا في السلاح و الدراسة و " المسير"، و نحن في ميدان الشرف و التدريب، بلباس العز و الكرامة" الفوتيك"، في مصنع الرجال الرجال... مؤتة الاحرار و النشامى.

" ما أروعك أبو جويعد" ، قلت في نفسي، فقد أعادتني الصورة بالزمن إلى أكثر من اثنين و ثلاثين سنة.... " هرمنا ". أعادتني الى جيل الشباب و العلم و العشق، حين كان عمري ، كما رفاقي و اخواني بالصورة، ثمانية عشر سنة. انه نفس العمر و الوقت حين كان "غيرنا " من أبناء جيلنا "ينهلون" من العلم في جامعات و كليات " الشرق" و " الغرب"، في " هارفرد" يدرسون.. و بعضهم في شارع " كينسينغتون" يتبضعون... و كلهم، كانوا، في اقرب " ستار بكس" مع الاصحاب و الصاحبات يلتقون. بينما هم في " علمهم" منغمسون، كنا نحن نلبس الفوتيك، في ميدان الشرف و الرجولة، نمشي " البطة" و نزحف" البطن" بالاكواع، بابتسامة عريضة على الوجوه، و نظرة متفائلة لغد مشرق في وطن نفديه بالمهج.

الصورة ، تحديدا ، كانت في ميدان " الخماسي" العسكري، الذي نتدرب فيه على كيفية اجتياز المصاعب و التغلب على المشاق، و نضع استراتيجية ادارة الازمات، و نحن نلبس لبس الميدان" الفوتيك". حيث تدربنا على الاقتصاد بالنفقات، و مارسنا نظافة اليد، و طهارة الجسد و الروح، و الاخلاص لله و الوطن و القيادة.

يا الله... إثنين و ثلاثون عاما ... و ما زالت رائحة " الفوتيك" و التعب و العرق، تملوء رئتي بهواء وطن الشرف و الكرامة و النزاهة... الأردن الذي أعرف... و تمر بنا السنون... و تأخذنا الدروب كل إلى موقعه، يجمعنا حب الوطن و رائحة العرق المتصبب و البارود... و بدلة " الفوتيك".

كل هذه الأفكار " دارت" في رأسي و أنا أنظر للصوره... و أخذت أقول لنفسي مستنكرا: " كيف يشتكي وطن... ؟! كيف يُعاني وطن فيه هكذا رجال رجال... و هكذا قيادات و قامات و هامات؟! على اختلاف مواقعهم ... و مناصبهم؟! كيف نسمح لوطننا أن يضيع و هؤلاء موجودون بيننا؟! ثم تداركت نفسي و تفكيري " المتسارع" و قلت، " هارفرد الغرب ليست بأغلى من مؤتة القلب و الوجدان". لماذا أحتاج لوزير يرسل سائقه ليحضر له " بدلة" الفوتيك من " الدراي كلين"، لانه يريد أخذ صورة لأجل " الشو"، لما " بيحكي عن الازمة" و كيف بيكافحها " بألواح الشوكولا اللزيزة"؛ بينما الجباه السمر... الذين يشبهونني و هم مني و أنا منهم... و بدلات "فوتيكهم" قد تقطعت ازرارها من " الزحف" و تمزقت أردانها من كثرت الركض و " العرق" الذي تصبب من الجباه، و تغير لونها من " دعك " السيرف عليها اثناء غسلها مرة بالاسبوع و في يوم جمعه ؟!

و في " ميمعة" أفكاري هذه، أمسكت بهاتفي " الذكي" و قررت أن أعمل " تويت" على تويتر، و كتابة " بوست" على فايس بوك، و إطلاق هاشتاغ يقول :

# إن ضاع الطريق فابحثوا عن الجيش.

لأنفس عن نفسي و أوصل الصوت " لسامع الصوت"، من منصات، بدلا عن مؤسسات تم " انتهاكها" بذات شهادة غربية، و فوتيك "مكوي دراي كلين" و أزمة تُكافح " بالشوكولاطه".

تم استفزازي، و أول ما بدأت الكتابة، رن هاتفي على مكتبي، المصنوع من خشب البلوط الثمين، (الذي ليس له رائحة)، في الطابق الخمسين من البرج الأعلى في مدينة السعادة و المال، دبي، و كان على الطرف الاخر من الخط، صوت زوجتي بلهجتها الاردنية الصخرّية الاصيلة ، تقول، " قلقت عليك، ليش تأخرت؟!" لأجيبها و من غير تفكير، " غسلتي الفوتيك؟!" و أجابت بدهشه، و الفوتيك ليس بغريب عليها، " أي فوتيك؟! و ليش أغسله." فأجبتها، صديقي و أخي محمد جويعد ارتيمه العبادي، بعد اثنين و ثلاثين سنة، يبعثلي صورة النشامي اخواني بالدم و العرض و حب الارض و القيادة، لابسين الفوتيك بالميدان"، و أكملت " إغسليه، أنا نازل البلد، و يمكن أحتاج ألبسه".

د. محمد حسن العساف ( الديري).
دبي
٢٠٢٠ 

 dairi2159@gmail.com

الصفحة الرسمية : د. محمد حسن العساف ( الديري).

تعليقات